حاز مصطلح "السلفية" مقداراً كبيراً من التعريفات والشروح والإستعمالات المختلفة، ومع ذلك لا يزال كثير من الدارسين والكتّاب يتداولون المصطلح إما بالتبسيط وإما بالإختزال وإما بالنقل المتواتر عن السلف؛ وما فتئ الفهم السائد للسلفية يدور على ثلاثية "الكتاب والسُنة" و"نبذ البدع" و"إنكار المُلحدات".
أما هذا الكتاب فينظر إلى السلفية لا كمفهوم مجرد ذي معنى إختزالي، بل كمصطلح له تاريخ، وله سياق تاريخي أيضاً، خضع لتعديلات جوهرية في معناه ودلالته معاً، ثم إن مفهوم السلفية ليس واحداً، بل متعدد؛ فثمة سلفيات لا سلفية واحدة.
يدرس عزمي بشارة في كتابه السلفية بإعتبارها سلفيات؛ فمنها الإصلاحية والدعوية والجهادية والعلمية، علاوة على السنية والشيعية وغيرها، ويحفر عميقاً في التاريخ الإسلامي ليؤسس مدخلاً علميّاً لفهم العلاقة بين السلفية والوهابية، ويقيم تفاعلاً معرفيّاً بين سلفية "أهل الأثر" القدامى وسلفية ابن تيمية.
في هذا الكتاب، يعود عزمي بشارة إلى الحفر في ثنايا التاريخ الإسلامي ليعالج السلفية في ظهوراتها المتعددة، ويستولد من ذلك فهماً معاصراً لها من خلال التصدي الإشكالية المصطلح على المستويين الفكري والتاريخي، ومن خلال دراسة حنبلية محمد بن عبد الوهاب وسلفية محمد رشيد رضا، فضلاً عن تمثلات السلفية في النطاق الفقهي، ومقارنة ذلك بالسلفيات المسيحية التي ظهرت في حقبة "الإصلاح الديني" الأوروبية.